الملايين خسروا حاسة الشم بصمت.. كوفيد-19 يترك إرثًا غير مرئي
رغم مرور أكثر من خمس سنوات على ظهور فيروس كورونا، ما زال العالم يكتشف تبعاته الخفية. ومن بين أكثر آثاره قسوة وصمتًا، فقدان حاسة الشم — ذلك العرض الذي بدأ بسيطًا، لكنه تحوّل إلى معاناة مزمنة لملايين الأشخاص حول العالم.
🔹 إرث غير مرئي
في خضم الحديث عن الوفيات والأزمات الاقتصادية، قلّما يُلتفت إلى هؤلاء الذين فقدوا قدرتهم على الشم.
تقديرات طبية حديثة تشير إلى أن ما بين 20 و30% من المصابين بكوفيد-19 عانوا من اضطرابات في حاسة الشم، وأن نحو 5% منهم لم يستعيدوها مطلقًا، أي ما يعادل عشرات الملايين من البشر.
لكن لأن هذه الإصابة لا تُرى، ولا تُحدث عجزًا جسديًا ظاهريًا، يعيش كثير من المصابين ألمًا خفيًا لا يُفهم بسهولة من قبل الآخرين.
🔹 تأثيرات نفسية واجتماعية
فقدان الشم لا يعني فقط عدم الإحساس برائحة الزهور أو الطعام، بل يضرب جوانب عميقة من الحياة اليومية:
-
تغيّر طعم الطعام: كثير من المصابين يفقدون المتعة في الأكل ويعانون من فقدان الشهية أو تغيّر الوزن.
-
تراجع الحالة النفسية: دراسات أظهرت ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق بين المصابين، بسبب الانفصال الحسي عن البيئة المحيطة.
-
خطر في الحياة اليومية: غياب الشم يعني عدم إدراك الروائح التحذيرية مثل الغاز أو الدخان، مما يزيد احتمالات الخطر في المنزل.
🔹 لماذا يفقد المصابون حاسة الشم؟
على عكس ما كان يُعتقد في البداية، الفيروس لا يهاجم الأعصاب الشمية نفسها مباشرة، بل الخلايا الداعمة الموجودة في الأنف.
هذه الخلايا تلعب دورًا أساسيًا في تغذية الأعصاب المسؤولة عن الشم. وعندما تتعرض للتلف، يفقد الدماغ الإشارات الحسية، مما يؤدي إلى انقطاع مؤقت أو دائم في القدرة على الشم.
🔹 محاولات العلاج والأمل في التعافي
رغم أن بعض المصابين استعادوا الشم تلقائيًا خلال أسابيع، فإن آخرين ظلوا يعانون لأشهر أو سنوات.
أبرز طرق التعافي الحالية تشمل ما يُعرف بـ “تدريب الشم” — وهو تمرين بسيط يعتمد على استنشاق روائح معينة (كالورد، الليمون، القرنفل، القهوة) يوميًا لإعادة تنشيط المسارات العصبية.
في الوقت نفسه، تعمل فرق بحثية في أوروبا وأمريكا على علاجات تجريبية تستخدم الخلايا الجذعية أو البروتينات العصبية لتحفيز تجدد الخلايا الشمية.
🔹 بين العلم والوعي المجتمعي
الأطباء يؤكدون أن فقدان الشم ليس عرضًا هامشيًا كما يُظن، بل مؤشر عصبي مهم يمكن أن يؤثر في جودة الحياة بعمق.
ويطالب الخبراء بزيادة الوعي العام والدعم النفسي للمصابين، لأن كثيرًا منهم يشعرون بالعزلة أو يُتهمون بالمبالغة في وصف معاناتهم.
🔹 خاتمة
كوفيد-19 قد لا يملأ المستشفيات كما في السابق، لكنه ترك وراءه إرثًا طويل الأمد — إرثًا غير مرئي في شكل ملايين الأرواح التي فقدت جزءًا من تفاعلها مع العالم.
ربما لا يمكننا رؤية هذه المعاناة، لكن حان الوقت للاعتراف بها ودعم من يعيشونها في صمت.