سؤالك "الاقتصاد العالمي بين فكّي الصين وأميركا.. هل ترفع بكين الراية البيضاء؟" يلامس جوهر الصراع الاقتصادي والجيوسياسي الذي يطبع العلاقات الدولية اليوم، وخصوصًا بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. دعنا نفكك الوضع لنفهم إن كانت بكين بالفعل على وشك "رفع الراية البيضاء"، أم أنها تعيد التموضع فقط.
1. الخلفية العامة للصراع
منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السلطة في 2016، تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين على عدة جبهات:
الحرب التجارية (تعريفات جمركية متبادلة).
حرب التكنولوجيا (معركة هواوي، تيك توك، قيود تصدير الرقائق).
المنافسة على الهيمنة العالمية (بحر الصين الجنوبي، تايوان، النفوذ في إفريقيا وآسيا).
وجو بايدن لم يغيّر هذا النهج جذريًا، بل ضاعف الضغط في ملفات مثل سلاسل التوريد والصناعات الخضراء.
2. الوضع الاقتصادي للصين حاليًا
تباطؤ النمو: الناتج المحلي الصيني لم يعد ينمو بمعدلات ما قبل كورونا (التي كانت تتجاوز 6%)، والآن يكافح للثبات فوق 4-5%.
أزمة العقارات: شركات عملاقة مثل "إيفرغراند" و"كانتري غاردن" تنهار أو تترنح، مما يضغط على البنوك والمستهلكين.
البطالة بين الشباب: تجاوزت 20%، مما يخلق ضغوطًا اجتماعية.
العزلة التكنولوجية: الولايات المتحدة تحاول عزل الصين عن التقنيات المتقدمة (كالرقائق المتقدمة والذكاء الاصطناعي).
3. هل الصين ترفع الراية البيضاء؟
ليس تمامًا. لكن هناك إشارات إلى إعادة تموضع بدلًا من المواجهة المباشرة:
الانفتاح على أوروبا ودول الجنوب العالمي (BRICS+، الحزام والطريق، دعم مبادرات بديلة للدولار).
تعزيز الاعتماد على السوق الداخلية (سياسة "الدورة المزدوجة").
تطوير بدائل تكنولوجية محلية (مثل رقائق "SMIC" وتطوير الذكاء الاصطناعي الصيني).
لكن لا بد من الاعتراف بأن الصين لم تحقق بعد الاستقلال التكنولوجي الكامل، وما زالت بحاجة إلى الوصول للتكنولوجيا الغربية.
4. مستقبل الاقتصاد العالمي: بين القطبين؟
التكتلات تتشكل: نشهد الآن نوعًا من "التموضع الاقتصادي" العالمي بين محور تقوده واشنطن وآخر تقوده بكين.
الدول الوسيطة (مثل الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا، تركيا) تحاول الاستفادة من هذا الصراع لصالحها.
الاقتصاد العالمي لن يعود لما قبل 2020: سلاسل التوريد، الجغرافيا السياسية، والطاقة كلها يعاد رسمها.
الخلاصة:
الصين لا ترفع الراية البيضاء بعد، لكنها تعلم أن المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، خاصة في التكنولوجيا، غير مجدية حاليًا. لذا، فهي تركّز على اللعب طويل الأمد: تعميق تحالفاتها، تعزيز صناعاتها المحلية، وتقديم نفسها كقوة بديلة لا مهدِّدة.